كان الخاتم أحمر اللون، وفي رواية أنه كان أسود اللون يميل إلى الصفرة، وفي رواية أنه كان كلون جسده. ويبدو التعارض بين هذه الروايات؛ إلا أن هذا التفاوت في اللون يُعزَى إلى اختلاف الرؤية من الرواة وكذلك الحالة التي كان يُرى فيها، فتارة يكون كلون الجسد أبيض مشربا بحمرة، وتارة يكون أحمر وهو الثابت كما قرر الحافظ ابن حجر، وتارة يرى أسود اللون إذ إن من وصفه بذلك قال إنه رأى شعرات بين كتفيه وهكذا يتفاوت اللون، باختلاف الرؤية.
شكله وحجمه:
كان هذا الخاتم مدوَّرًا مثل الهلال، وحجمه قدر بيضة الحمامة، فعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: كان وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل الشمس والقمر مستديرًا، ورأيت الخاتم عند كتفيه مثل بيضة الحمامة يشبه جسده. [1].
وفي رواية الترمذي عنه: أنه غدة لحم يحدث بين الجلد واللحم، يتحرك بالتحريك. وقيل: هي كل عقدة تكون في الجسد. والمراد أنه كان شبيهًا بالغدة حمراء مثل بيضة الحمامة. [2].
وعن عاصم عن عبد الله بن سرجس رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم، وأكلت معه خبزًا ولحمًا - أو قال ثريدًا - قال: فقلت له: أستغفر لك النبي صلى الله عليه وسلم. قال: نعم، ولك. ثم تلا هذه الآية: ﴿ واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات ﴾ [محمد: 19]. قال: ثم دُرْتُ خلفه، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه عند ناغض كتفه اليسرى جُمْعًا خِيلان كأمثال الثآليل.
قال النووي: وظاهر قوله: جُمْعًا. يحتمل أن يكون المراد تشبيهه به في الهيئة، وأن يكون في المقدار، والمراد به هنا الهيئة؛ ليوافق قوله: مثل بيضة الحمام عليه خِيلان. بكسر أوله، جمع خال؛ وهي نقطة تضرب إلى السواد. [3].
وهناك روايات أخرى متقاربة تفيد أنه مثل زر الحجلة، أو بيضة النعامة، أو التفاحة أو البندقة، أو أنه شعر مجتمع، فعن السائب بن يزيد قال: ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: يا رسول الله، إن ابن أختي وجع. فمسح رأسي، ودعا لي بالبركة، وتوضأ فشربت من وضوئه، ثم قمت خلف ظهره فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه، مثل زر الحجلة [4] قال الخطابي: رُوِي أيضًا بتقديم الراء على الزاي، ويكون المراد البيض، يقال: أرزت الجرادة (بفتح الراء، وتشديد الزاي): إذا كبست ذنبها في الأرض فباضت [5].
ووقع في رواية ابن حبان من طريق سماك بن حرب: كبيضة النعامة.ونبه على أنها غلط.
وعند ابن حبان من حديث ابن عمر: مثل الناتئة من اللحم. وعند الترمذي: كبضعة ناشزة من اللحم.
قال القاضي: وهذه الروايات متقاربة متفقة على أنه شاخص في جسده قدر بيضة الحمامة، وهو نحو بيضة الحجلة، وزر الحجلة. وأما رواية جمع الكف وناشز، فظاهرها المخالفة، فتؤول على وفق الروايات الكثيرة، ويكون معناه على هيئة جمع الكف، لكنه أصغر منه في قدر بيضة الحمامة [6].
وقال البيجوري في شرح الشمائل: لا تعارض بين هذه الرواية - يريد رواية: بيضة الحمامة - والرواية السابقة - يقصد رواية: زر الحجلة - بل ولا غيرها من الروايات؛ كرواية ابن حبان: كبيضة نعامة، ورواية البيهقي: كالتفاحة، ورواية ابن عساكر: كالبندقة، ورواية مسلم: جُمْع (بضم الجيم، وسكون الميم) عليه خيلان كأنها الثآليل، وفي صحيح الحاكم شعر مجتمع؛ لرجوع اختلاف هذه الروايات إلى اختلاف الأحوال. وقال القرطبي: إنه كان يكبر ويصغر وكل شبه بما سنح له، ومن قال: شعر؛ فلأن الشعر حوله كما في رواية أخرى.
وبالجملة، فالأحاديث الثابتة تدل على أن الخاتم كان شيئًا بارزًا، إذا قلَّ كان كالبندقة ونحوها، وإذا كثر كان كجمع اليد. وأما رواية: كأثر المحجم، أو كركبة عنز، أو كشامة خضراء أو سوداء ومكتوب فيها: محمد رسول الله، أو: سر فإنك المنصور. فلم يثبت منها شيء، كما قاله القسطلاني، وتصحيح ابن حبان لذلك وهم. انتهى [7].
[1] رواه مسلم.
[2] رواه الترمذي في الشمائل، وصححه الألباني.
[3] مرقاة المفاتيح 16/ 456.
[4] الزر: بيضة الطائر. والحجلة: بيت كالقبة يستر بالثياب تكون له أزرار كبار. متفق عليه.
[5] شرح النووي على مسلم 15/ 99.
[6] شرح النووي على مسلم 15/ 99.
[7] تحفة الأحوذي 9/ 53.