إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا،
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.أما بعد؛فإن الله عزَّ وجلَّ بعث محمدًا صلى الله عليه
وسلم بعد ستمائة سنة من رفع المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وكانت فترة طويلة
تحرفت فيها الأديان وكثرت عبادة الأوثان وظهر الفساد في البر والبحر وانتشر الطغيان
والظلم والجهل في البادية والحضر، إلا قليلا من أحبار اليهود والنصارى والصابئين، فبعثه
الله تبارك وتعالى للخلق كافة إنسهم وجنهم عربهم وعجمهم أبيضهم وأسودهم وأصفرهم
رحمة مهداة من لدنه سبحانه بين يدي الساعة، وهاديًا إلى الله بإذنه ومبشرًا ونذيرًا، ﴿تَبَارَكَ
الَّذي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾، وأَيَّدَه تبارك وتعالى بكتابه الكريم القرآن العظيم المثبت لرسالته والمؤكِّد لنبوته؛
فبدأ بدعوة قومه قريش إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، ونهاهم عن الدماء والفواحش ووأد البنات وقول الزور وأكل مال الأيتام،
وأمرهم بالصلاة والزكاة والصيام والصدق والعفاف وصلة الأرحام، فاستكبر قومه وكذبوه؛ غضبًا لآلهتهم، ونصبوا له العداوة وانطلقوا يرمونه بشتى التهم ويصفونه بالمجنون
وبالساحر وبالكذاب وبالكاهن وبالشاعر، فما صدت تلك التهم الناس عن متابعته، ولم تثنهم عن الإيمان برسالته و التصديق بنبوته، ودخل الناس في الدين الجديد أرسالاً، فلما رأت قريش ذلك ناكرت محمد صلى الله عليه وسلم أشد مناكرة، وأجمعت على خلافه وعداوته
وعداوة من اتبعه، فكان المؤمن فيهم يفتن في دينه إمَّا قتلوه وإمَّا عذبوه، وتربصوا بالنبي
صلى الله عليه وسلم يريدون قتله فصرفهم الله عنه وعصمه منهم، ثم هاجر بأصحابه رضوان الله عليهم إلى المدينة، فقدمها بعد ثلاث عشرة سنة من الدعوة المحروبة في مكة؛ حيث عتت قريش على الله تبارك وتعالى وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة، وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلمواستكبروا عن متابعته وعذبوا من آمن بالله تعالى وحده وكفر بآلهتهم
وسفه أحلامهم.
فلما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع إليه المهاجرون من مكة ومن غيرها
من بلاد العرب استحكم شأن الإسلام، فقامت الصلاة وفرضت الزكاة وقامت الحدود، ثم أذن
الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بالقتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم،
فتهيأ النبي صلى الله عليه وسلم لحربه وقام فيما أمره الله من جهاد عدوه وقتال من أمره
الله بقتاله ممن يليه من المشركين، فكان من أمر البطشة الكبرى ببدر ما كان، وظلت
الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين سجالا ينال منهم وينالون منه حتى
غلبهم على أمره وقهرهم وظهر عليهم، وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا
السفلى، وصدق الله وعده حيث يقول: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا ظاهرًا منصورًا بعد ثمان
سنوات من خروجه منها؛ فحطَّم الأصنام التي كانت تملأ المسجد الحرام وطهره من الرجس
والأوثان، وجعل سجدة الناس لله الواحد القهار ودانت له قريش وخضعت له العرب
واستيقنت صدقه لمَّا لم يصبه ما أصاب إبرهة وجنده من العذاب المعلوم، فأسلم الناس
ودخلوا في دين الله أفواجًا، ولم ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أقام العرب على الحنيفية السمحاء والمحجة البيضاء فصلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وقد أيد الله تبارك وتعالى نبيه بمعجزات كثيرة وفي مقدمتها كلامه تبارك وتعالى ألا وهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو أشهر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن وجوه إعجازه حسن تأليفه وظهور بلاغته واستحالة مجاراته وجدة أسلوبه واختلافه
عن قواعد النظم و النثر المعروفة آنذاك، هذا إلى جانب ما يلحق تاليه من الخشية وما
يعتري سامعه من الهيبة وكونه لا يكل قارئه ولا يمل سامعه، وهذا فيما سواه من الكلام معدوم، هذا مع سهولة حفظه ويسر تلاوته، ومن وجوه إعجازه أيضًا ما اشتمل عليه من
أخبار الحوادث الماضية التي لم يكن يعلم تفصيلها سوى أفراد قلائل من أهل الكتاب، ولم يُعلم مما ثبت من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه اجتمع بأحد منهم أو أخذ عنهم، هذا إلى
جانب إخباره بما سيقع، فوقع على وفق ما أخبر به في زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده، مثل استحالة مجاراة القرآن ولو بسورة وغلب الروم وهزيمة المشركين في بدر ودخول المسجد الحرام واستخلاف المؤمنين وعُلُوّ كلمة الإسلام وأهله، هذا إلى ما فيه من الأمور العلمية التي لم يُحِطْ بها أحد إلا في السنوات القليلة الماضية من الإشارة إلى نشأة
السماوات والأرض من مادة منضمة متماسكة، وإلى دوران الأرض وإلى الجاذبية والكلام عن انخفاض الضغط الجوي بازدياد الارتفاع عن سطح الأرض، والتصريح بكون الرياح
لواقح، وغير ذلك من الآيات التي تبرز صدق هذا الكتاب المقدس وتجزم بشكل تام أنه موحى من عند الله عزَّ وجلَّ، وعلى الرغم من نزول القرآن قبل قرون كثيرة من عصر
العلوم الحديثة فإن أحدًا لم يتمكن من إثبات أيَّةَ أخطاء علمية فيه، ولو أنه كان كلامًا بشريًا
لكان هذا ضربًا من المستحيل؛ خاصة وأن أفكار الناس في زمنه صلى الله عليه وسلم عن الكون وأمور العلم الأخرى ستبدو لغوًا باطلًا ساذجًا لو درسناه في ضوء معلومات العصر الحاضر.
من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.أما بعد؛فإن الله عزَّ وجلَّ بعث محمدًا صلى الله عليه
وسلم بعد ستمائة سنة من رفع المسيح عيسى بن مريم عليه السلام، وكانت فترة طويلة
تحرفت فيها الأديان وكثرت عبادة الأوثان وظهر الفساد في البر والبحر وانتشر الطغيان
والظلم والجهل في البادية والحضر، إلا قليلا من أحبار اليهود والنصارى والصابئين، فبعثه
الله تبارك وتعالى للخلق كافة إنسهم وجنهم عربهم وعجمهم أبيضهم وأسودهم وأصفرهم
رحمة مهداة من لدنه سبحانه بين يدي الساعة، وهاديًا إلى الله بإذنه ومبشرًا ونذيرًا، ﴿تَبَارَكَ
الَّذي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا﴾، ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا﴾، وأَيَّدَه تبارك وتعالى بكتابه الكريم القرآن العظيم المثبت لرسالته والمؤكِّد لنبوته؛
فبدأ بدعوة قومه قريش إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام التي لا تضر ولا تنفع ولا تبصر ولا تسمع، ونهاهم عن الدماء والفواحش ووأد البنات وقول الزور وأكل مال الأيتام،
وأمرهم بالصلاة والزكاة والصيام والصدق والعفاف وصلة الأرحام، فاستكبر قومه وكذبوه؛ غضبًا لآلهتهم، ونصبوا له العداوة وانطلقوا يرمونه بشتى التهم ويصفونه بالمجنون
وبالساحر وبالكذاب وبالكاهن وبالشاعر، فما صدت تلك التهم الناس عن متابعته، ولم تثنهم عن الإيمان برسالته و التصديق بنبوته، ودخل الناس في الدين الجديد أرسالاً، فلما رأت قريش ذلك ناكرت محمد صلى الله عليه وسلم أشد مناكرة، وأجمعت على خلافه وعداوته
وعداوة من اتبعه، فكان المؤمن فيهم يفتن في دينه إمَّا قتلوه وإمَّا عذبوه، وتربصوا بالنبي
صلى الله عليه وسلم يريدون قتله فصرفهم الله عنه وعصمه منهم، ثم هاجر بأصحابه رضوان الله عليهم إلى المدينة، فقدمها بعد ثلاث عشرة سنة من الدعوة المحروبة في مكة؛ حيث عتت قريش على الله تبارك وتعالى وردوا عليه ما أرادهم به من الكرامة، وكذبوا نبيه صلى الله عليه وسلمواستكبروا عن متابعته وعذبوا من آمن بالله تعالى وحده وكفر بآلهتهم
وسفه أحلامهم.
فلما اطمأن النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة واجتمع إليه المهاجرون من مكة ومن غيرها
من بلاد العرب استحكم شأن الإسلام، فقامت الصلاة وفرضت الزكاة وقامت الحدود، ثم أذن
الله تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم بالقتال والانتصار ممن ظلمهم وبغى عليهم،
فتهيأ النبي صلى الله عليه وسلم لحربه وقام فيما أمره الله من جهاد عدوه وقتال من أمره
الله بقتاله ممن يليه من المشركين، فكان من أمر البطشة الكبرى ببدر ما كان، وظلت
الحرب بين رسول الله صلى الله عليه وسلم والمشركين سجالا ينال منهم وينالون منه حتى
غلبهم على أمره وقهرهم وظهر عليهم، وجعل كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا
السفلى، وصدق الله وعده حيث يقول: ﴿هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ
عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ
صَادِقِينَ * قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ * فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَانْتَظِرْ إِنَّهُمْ مُنْتَظِرُونَ﴾، فدخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة فاتحًا ظاهرًا منصورًا بعد ثمان
سنوات من خروجه منها؛ فحطَّم الأصنام التي كانت تملأ المسجد الحرام وطهره من الرجس
والأوثان، وجعل سجدة الناس لله الواحد القهار ودانت له قريش وخضعت له العرب
واستيقنت صدقه لمَّا لم يصبه ما أصاب إبرهة وجنده من العذاب المعلوم، فأسلم الناس
ودخلوا في دين الله أفواجًا، ولم ينتقل النبي صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أقام العرب على الحنيفية السمحاء والمحجة البيضاء فصلى الله عليه وسلم تسليمًا كثيرًا.
وقد أيد الله تبارك وتعالى نبيه بمعجزات كثيرة وفي مقدمتها كلامه تبارك وتعالى ألا وهو القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو أشهر معجزات النبي صلى الله عليه وسلم.
ومن وجوه إعجازه حسن تأليفه وظهور بلاغته واستحالة مجاراته وجدة أسلوبه واختلافه
عن قواعد النظم و النثر المعروفة آنذاك، هذا إلى جانب ما يلحق تاليه من الخشية وما
يعتري سامعه من الهيبة وكونه لا يكل قارئه ولا يمل سامعه، وهذا فيما سواه من الكلام معدوم، هذا مع سهولة حفظه ويسر تلاوته، ومن وجوه إعجازه أيضًا ما اشتمل عليه من
أخبار الحوادث الماضية التي لم يكن يعلم تفصيلها سوى أفراد قلائل من أهل الكتاب، ولم يُعلم مما ثبت من سيرته صلى الله عليه وسلم أنه اجتمع بأحد منهم أو أخذ عنهم، هذا إلى
جانب إخباره بما سيقع، فوقع على وفق ما أخبر به في زمنه صلى الله عليه وسلم وبعده، مثل استحالة مجاراة القرآن ولو بسورة وغلب الروم وهزيمة المشركين في بدر ودخول المسجد الحرام واستخلاف المؤمنين وعُلُوّ كلمة الإسلام وأهله، هذا إلى ما فيه من الأمور العلمية التي لم يُحِطْ بها أحد إلا في السنوات القليلة الماضية من الإشارة إلى نشأة
السماوات والأرض من مادة منضمة متماسكة، وإلى دوران الأرض وإلى الجاذبية والكلام عن انخفاض الضغط الجوي بازدياد الارتفاع عن سطح الأرض، والتصريح بكون الرياح
لواقح، وغير ذلك من الآيات التي تبرز صدق هذا الكتاب المقدس وتجزم بشكل تام أنه موحى من عند الله عزَّ وجلَّ، وعلى الرغم من نزول القرآن قبل قرون كثيرة من عصر
العلوم الحديثة فإن أحدًا لم يتمكن من إثبات أيَّةَ أخطاء علمية فيه، ولو أنه كان كلامًا بشريًا
لكان هذا ضربًا من المستحيل؛ خاصة وأن أفكار الناس في زمنه صلى الله عليه وسلم عن الكون وأمور العلم الأخرى ستبدو لغوًا باطلًا ساذجًا لو درسناه في ضوء معلومات العصر الحاضر.