الرُقْية من أدوية الطب النبوي
احتوت كتب السيرة والسنة النبوية على أحاديث ومواقف كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم تتعلق بالأمراض وعلاجها، وكتب بعض العلماء كُتباً خاصة في ذلك، مثل: النووي في كتابه الطب النبوي، وابن القيم في كتابه زاد المعاد، وابن حجر في شرحه لصحيح البخاري، والذهبي في كتابه الطب النبوي وغيرهم.
والرُقية والتداوي بالأدعية النبوية وآيات وسور من القرآن الكريم وسيلة من وسائل العلاج التي فعلها وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلها أسباباً شرعية صحيحة نافعة بإذن الله تعالى، مع الأخذ في الاعتبار أن الرُقية الشرعية لا تعني ترك التداوي بالأدوية التي يرشد إليها الأطباء المختصون، فقد جاءت أحاديث كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل على الله عز وجل، فعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: (قالت الأعراب يا رسول الله! ألا نتداوى؟ قال: نعم يا عباد الله! تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء -أو قال: دواءـ، إلا داء واحد، قالوا: يا رسول الله! وما هو؟ قال: الهرَم) رواه أبو داود وصححه الألباني، وفي رواية أحمد: (ما أنزل اللهُ داءً إلا قد أنزل له شفاء، علِمَه من علِمه، و جَهِله من جَهِله)، وعن أبي خُزامة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: (أرأيت رُقىً نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي من قدر الله) رواه أحمد وحسنه الألباني.
فالبحث عن العلاج عند الأطباء المختصين مطلوب، وهو ـبعد التوكل على الله والاعتقاد الجازم بأن الشافي هو الله ـ من قبيل الأخذ الأسباب، والتي منها كذلك الرقية الشرعية والاستشفاء بالقرآن الكريم والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر العلماء لجواز الرُقى ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله تعالى، أو بأسمائه وصفاته، أو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تكون باللسان العربي أو بما يُعرف معناه من غيره لمن لا يُحسن العربية، وأن يُعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى، فإذا اجتمعت هذه الشروط في الرقية فهي الرقية الشرعية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرُقى ما لم تكن شركاً) رواه مسلم.
وهناك الكثير من الأحاديث والمواقف النبوية في الرقية، نذكر منها:
الرقية بالفاتحة
الفاتحة هي أعظم سور القرآن الكريم، وهي أم القرآن والسبع المثاني، وقد ذكر السيوطي في كتابه "الإتقان في علوم القرآن" أكثر من عشرين اسماً لسورة الفاتحة، وهذا يدل على شرفها، لأن كثرة الأسماء تدل على شرف المُسَمَّى، ومن أسمائها: أم الكتاب، الشفاء، الوافية، الكافية، الحمد، السبع المثاني"، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم) رواه البخاري، وعن أبي سعيد بن المُعلى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لأُعلِّمنَّكَ سورةً هي أعظم السوَرِ في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، ثم أخذ بيديَّ، فلما أراد أن يخرج قلتُ له: ألم تقلْ: لأُعلِّمنَّكَ سورة هي أعظم سورةٍ في القرآن؟ قال: {الحمدُ للهِ ربِّ العالمِينَ}: (هي السبعُ المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيتُه) رواه البخاري.
قال ابن القيم: "فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها؟!! فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه".
وأما كون الفاتحة ـخاصةـ رقية ودواء للعلاج، فقد دلت عليه السنة الصحيحة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلُدِغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط! إن سيدنا لدغ، فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله، إني لراقٍ، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلاً (أجراً)، فصالحوهم على قطيع من الغنم...فانطلق فجعل يَتْفُل (النفخ مع قليل من الريق) ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة:2)، فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قَلَبَة (عِلة) .. قال: فأوفوهم جُعْلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا.. فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له، فقال: (وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم بسهم) رواه البخاري.
قال ابن حجر: "وزاد سليمان بن قتة في روايته بعد قوله: (وما يدريك أنها رقية؟) قلت: (ألقي في روعي)، وللدار قطني من هذا الوجه فقلت: يا رسول الله! شيء ألقي في روعي، وهو ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقى بالفاتحة". وفي ذلك دلالة على مشروعية الرقية بفاتحة الكتاب، بل مشروعية الرقية عامة وبفاتحة الكتاب خاصة.
رقية المريض
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة المريض، أن يرقيه، ويدعو له بالشفاء، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضاً، أو أُتي به إليه، قال: (أذْهِب الباس، رب الناس، اشفِ وأنتَ الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يُغادر سقما) رواه البخاري. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِنْ مسلم يدخل على مريض، لم يحضر أجله فيقول: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات إلا عافاه الله) رواه أحمد وصححه الألباني. وعن نافع بن جبير عن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً، وقل: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات) رواه مسلم.
رقية الطفل
الطريقة الصحيحة الشرعية لرقية الطفل الصغير لحفظه وتحصينه من الحسد وغيره: هي ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله مع حفيديه الحسن والحسين رضي الله عنهما، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يُعَوِّذُ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) رواه البخاري. قال ابن حجر "قوله: (وهامّة): واحدة الهوام ذوات السموم، قوله: (ومن كل عين لامة) : قال الخطابي: المراد به كل داء وآفة، تلم بالإنسان من جنون وخبل".
ويستحب كذلك في رقية الأولاد قراءة المعوذتين عليهما، ومسح أجسامهم أثناء القراءة، أو قراءتهما بين الكفين، ثم النفث فيهما بريق خفيف لتمسح أبدانهم بما تصل إليه اليد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ نفسه وغيره بهما، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فأخذ بهما وترك ما سواهما) رواه الترمذي وصححه الألباني، قال الزرقاني في شرحه لهذا الحديث: "فلا يدل على المنع من التعوذ بغير هاتين السورتين، بل على الأولوية، ولا سيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما، وإنما اجتزأ بهما لما اشتملنا عليه من جوامع الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلاً".
والنفث بالريق مع المعوذتين مأخوذ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قبيل النوم، فقد كان يقرأ بهما في كفيه، وينفث ثم يسمح جسده الطاهر بهما، فلما مرض كانت عائشة رضي الله عنها تفعل ذلك له، مما يدل على أن الصغير يمكن أن ينفث له أحد غيره بالمعوذتين ويمسح بهما عنه.
الرقية دواء نبوي للعلاج من الأمراض البدنية والنفسية، ولا تعارض بين العلاج بالرقية الشرعية مع العلاج الطبي والعلمي الحديث، وفعالية كل منهما في العلاج، ويُنصح بالجمع بينهما، فالرقية قد يجعلها الله عز وجل سبباً للشفاء، كما يمكن أن يكون العلاج بالدواء بفضل الله ومشيئته سبباً كذلك للشفاء، فعلى الإنسان أن يجمع بينهما، مع تعلق قلبه بالله تعالى وحده، واعتقاده الجازم بأن الله سبحانه هو الشافي، وهو النافع، والواهب للصحة والعافية، وهو الذي يحول بين الأسباب وبين مقتضياتها، وهو الذي يجعل فيها النفع والشفاء، قال الله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء:80)
احتوت كتب السيرة والسنة النبوية على أحاديث ومواقف كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم تتعلق بالأمراض وعلاجها، وكتب بعض العلماء كُتباً خاصة في ذلك، مثل: النووي في كتابه الطب النبوي، وابن القيم في كتابه زاد المعاد، وابن حجر في شرحه لصحيح البخاري، والذهبي في كتابه الطب النبوي وغيرهم.
والرُقية والتداوي بالأدعية النبوية وآيات وسور من القرآن الكريم وسيلة من وسائل العلاج التي فعلها وأقرها النبي صلى الله عليه وسلم، وجعلها أسباباً شرعية صحيحة نافعة بإذن الله تعالى، مع الأخذ في الاعتبار أن الرُقية الشرعية لا تعني ترك التداوي بالأدوية التي يرشد إليها الأطباء المختصون، فقد جاءت أحاديث كثيرة للنبي صلى الله عليه وسلم بالأمر بالتداوي، وأنه لا ينافي التوكل على الله عز وجل، فعن أسامة بن شريك رضي الله عنه قال: (قالت الأعراب يا رسول الله! ألا نتداوى؟ قال: نعم يا عباد الله! تداووا، فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء -أو قال: دواءـ، إلا داء واحد، قالوا: يا رسول الله! وما هو؟ قال: الهرَم) رواه أبو داود وصححه الألباني، وفي رواية أحمد: (ما أنزل اللهُ داءً إلا قد أنزل له شفاء، علِمَه من علِمه، و جَهِله من جَهِله)، وعن أبي خُزامة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله: (أرأيت رُقىً نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئاً؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هي من قدر الله) رواه أحمد وحسنه الألباني.
فالبحث عن العلاج عند الأطباء المختصين مطلوب، وهو ـبعد التوكل على الله والاعتقاد الجازم بأن الشافي هو الله ـ من قبيل الأخذ الأسباب، والتي منها كذلك الرقية الشرعية والاستشفاء بالقرآن الكريم والأدعية المأثورة عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وقد ذكر العلماء لجواز الرُقى ثلاثة شروط: أن تكون بكلام الله تعالى، أو بأسمائه وصفاته، أو المأثور عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأن تكون باللسان العربي أو بما يُعرف معناه من غيره لمن لا يُحسن العربية، وأن يُعتقد أن الرقية لا تؤثر بذاتها، بل بتقدير الله تعالى، فإذا اجتمعت هذه الشروط في الرقية فهي الرقية الشرعية، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (لا بأس بالرُقى ما لم تكن شركاً) رواه مسلم.
وهناك الكثير من الأحاديث والمواقف النبوية في الرقية، نذكر منها:
الرقية بالفاتحة
الفاتحة هي أعظم سور القرآن الكريم، وهي أم القرآن والسبع المثاني، وقد ذكر السيوطي في كتابه "الإتقان في علوم القرآن" أكثر من عشرين اسماً لسورة الفاتحة، وهذا يدل على شرفها، لأن كثرة الأسماء تدل على شرف المُسَمَّى، ومن أسمائها: أم الكتاب، الشفاء، الوافية، الكافية، الحمد، السبع المثاني"، روى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أم القرآن هي السبع المثاني والقرآن العظيم) رواه البخاري، وعن أبي سعيد بن المُعلى رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لأُعلِّمنَّكَ سورةً هي أعظم السوَرِ في القرآن قبل أن تخرج من المسجد، ثم أخذ بيديَّ، فلما أراد أن يخرج قلتُ له: ألم تقلْ: لأُعلِّمنَّكَ سورة هي أعظم سورةٍ في القرآن؟ قال: {الحمدُ للهِ ربِّ العالمِينَ}: (هي السبعُ المثاني، والقرآن العظيم الذي أوتيتُه) رواه البخاري.
قال ابن القيم: "فالقرآن هو الشفاء التام من جميع الأدواء القلبية والبدنية، وأدواء الدنيا والآخرة، وما كل أحد يؤهل ولا يوفق للاستشفاء به، وإذا أحسن العليل التداوي به، ووضعه على دائه بصدق وإيمان، وقبول تام، واعتقاد جازم واستيفاء شروطه لم يقاومه الداء أبداً، وكيف تقاوم الأدواء كلام رب الأرض والسماء، الذي لو نزل على الجبال لصدعها، أو على الأرض لقطعها؟!! فما من مرض من أمراض القلوب والأبدان إلا وفي القرآن سبيل الدلالة على دوائه وسببه والحمية منه لمن رزقه الله فهماً في كتابه".
وأما كون الفاتحة ـخاصةـ رقية ودواء للعلاج، فقد دلت عليه السنة الصحيحة، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، حتى نزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم، فأبوا أن يضيفوهم، فلُدِغ سيد ذلك الحي، فسعوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرهط الذين قد نزلوا بكم، لعله أن يكون عند بعضهم شيء، فأتوهم فقالوا: يا أيها الرهط! إن سيدنا لدغ، فسعينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء؟ فقال بعضهم: نعم والله، إني لراقٍ، ولكن والله لقد استضفناكم فلم تضيفونا، فما أنا براقٍ لكم حتى تجعلوا لنا جُعْلاً (أجراً)، فصالحوهم على قطيع من الغنم...فانطلق فجعل يَتْفُل (النفخ مع قليل من الريق) ويقرأ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (الفاتحة:2)، فكأنما نشط من عقال، فانطلق يمشي ما به قَلَبَة (عِلة) .. قال: فأوفوهم جُعْلهم الذي صالحوهم عليه، فقال بعضهم: اقسموا، فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنذكر له الذي كان، فننظر ما يأمرنا.. فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذكروا له، فقال: (وما يدريك أنها رقية؟ أصبتم، اقسموا، واضربوا لي معكم بسهم) رواه البخاري.
قال ابن حجر: "وزاد سليمان بن قتة في روايته بعد قوله: (وما يدريك أنها رقية؟) قلت: (ألقي في روعي)، وللدار قطني من هذا الوجه فقلت: يا رسول الله! شيء ألقي في روعي، وهو ظاهر في أنه لم يكن عنده علم متقدم بمشروعية الرقى بالفاتحة". وفي ذلك دلالة على مشروعية الرقية بفاتحة الكتاب، بل مشروعية الرقية عامة وبفاتحة الكتاب خاصة.
رقية المريض
من هدي النبي صلى الله عليه وسلم في زيارة المريض، أن يرقيه، ويدعو له بالشفاء، فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أتى مريضاً، أو أُتي به إليه، قال: (أذْهِب الباس، رب الناس، اشفِ وأنتَ الشافي، لا شفاءَ إلا شفاؤك، شفاءً لا يُغادر سقما) رواه البخاري. وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما مِنْ مسلم يدخل على مريض، لم يحضر أجله فيقول: أسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يشفيك سبع مرات إلا عافاه الله) رواه أحمد وصححه الألباني. وعن نافع بن جبير عن عثمان بن أبي العاص الثقفي رضي الله عنه: أنه شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وجعاً يجده منذ أسلم، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ضع يدك على الذي تألم من جسدك وقل: بسم الله ثلاثاً، وقل: أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر سبع مرات) رواه مسلم.
رقية الطفل
الطريقة الصحيحة الشرعية لرقية الطفل الصغير لحفظه وتحصينه من الحسد وغيره: هي ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله مع حفيديه الحسن والحسين رضي الله عنهما، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يُعَوِّذُ بها إسماعيل وإسحاق: أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة) رواه البخاري. قال ابن حجر "قوله: (وهامّة): واحدة الهوام ذوات السموم، قوله: (ومن كل عين لامة) : قال الخطابي: المراد به كل داء وآفة، تلم بالإنسان من جنون وخبل".
ويستحب كذلك في رقية الأولاد قراءة المعوذتين عليهما، ومسح أجسامهم أثناء القراءة، أو قراءتهما بين الكفين، ثم النفث فيهما بريق خفيف لتمسح أبدانهم بما تصل إليه اليد، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يُعَوِّذُ نفسه وغيره بهما، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كان صلى الله عليه وسلم يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت المعوذتان فأخذ بهما وترك ما سواهما) رواه الترمذي وصححه الألباني، قال الزرقاني في شرحه لهذا الحديث: "فلا يدل على المنع من التعوذ بغير هاتين السورتين، بل على الأولوية، ولا سيما مع ثبوت التعوذ بغيرهما، وإنما اجتزأ بهما لما اشتملنا عليه من جوامع الاستعاذة من كل مكروه جملة وتفصيلاً".
والنفث بالريق مع المعوذتين مأخوذ من هدي النبي صلى الله عليه وسلم قبيل النوم، فقد كان يقرأ بهما في كفيه، وينفث ثم يسمح جسده الطاهر بهما، فلما مرض كانت عائشة رضي الله عنها تفعل ذلك له، مما يدل على أن الصغير يمكن أن ينفث له أحد غيره بالمعوذتين ويمسح بهما عنه.
الرقية دواء نبوي للعلاج من الأمراض البدنية والنفسية، ولا تعارض بين العلاج بالرقية الشرعية مع العلاج الطبي والعلمي الحديث، وفعالية كل منهما في العلاج، ويُنصح بالجمع بينهما، فالرقية قد يجعلها الله عز وجل سبباً للشفاء، كما يمكن أن يكون العلاج بالدواء بفضل الله ومشيئته سبباً كذلك للشفاء، فعلى الإنسان أن يجمع بينهما، مع تعلق قلبه بالله تعالى وحده، واعتقاده الجازم بأن الله سبحانه هو الشافي، وهو النافع، والواهب للصحة والعافية، وهو الذي يحول بين الأسباب وبين مقتضياتها، وهو الذي يجعل فيها النفع والشفاء، قال الله تعالى: {وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ} (الشعراء:80)