من دلائل النبوة: فتح اليمن والشام والعراق
أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه وبشرهم كثيراً عن انتشار الإسلام وظهور أمره، وبلوغه إلى الآفاق، وهو أمر غيبي لا دخل فيه للتوقع والظن، خاصة أن بعض هذه الأحاديث والبشريات قالها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وقت ضعف المسلمين، وعلى عكس ونقيض ما تُوحي به الأحداث، ومع ذلك كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخبر أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ أن الإسلام سيعلو وينتصر، وأن الله ـ عز وجل ـ سيبدل الخوف الذي يعيشون فيه بالأمن التام، فعن خباب بن الأرَتّ ـ رضي الله عنه ـ قال: ( شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟، ألا تدعو الله لنا ؟، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: كان الرجل فيمن قبلكم، يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ) رواه البخاري .
ومما بشّر به النبي - صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه وأمته به، وتحقق بعد وفاته كما أخبر، وكان من دلائل صدقه ونبوته: بشارتُه بفتح اليمن والشام والعراق، واستيطان المسلمين بهذه البلاد .
في غزوة الأحزاب والمسلمون في حال شديدة من جوع شديدٍ وبردٍ قارصٍ، وعددٍ قليلٍ وأعداء كُثر، وفي أثناء حفر الخندق شكا الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ـ صخرة لم يستطيعوا كسرها، فجاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخذ الفأس وقال: ( بسم الله، فضرب ضربة كسر منها ثلث الحجر، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ثانيةً فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ضربة كسرت بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا ) رواه أحمد .
وفي إشارة نبوية أخرى لفتح المسلمين الشام والعراق واليمن، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الله بن حوالة ـ رضي الله عنه ـ: ( سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مُجَنَّدَةٌ، جُنْدٌ بالشام، وَجُنْدٌ باليمن، وَجُنْدٌ بالعراق، فقال ابن حوالة: خِرْ لِي (اختر لي) يا رسول الله إنْ أدركتُ ذلك، فقال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ (الزموا اليمن)، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ (حياضكم)، فإن الله - عز وجل - توكل (تكفل وضمن) لي بالشام وأهله ) رواه أبو داود وصححه الألباني .
وعن سفيان بن أبي زهير ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ( تُفتَح اليمن فيأتي قوم يَبُسُّونَ (يسوقون دوابهم للرحيل من المدينة) فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح الشام فيأتي قومٌ يُبِسُّون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح العراق فيأتي قومٌ يُبِسُّون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ) رواه البخاري .
لقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن فتح اليمن، وقد فتحت في آخر حياته، كما أخبر عن فتح الشام والعراق، وقد فُتح بعضها في عهد أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ، وبعضها في خلافة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، ثمَّ أخبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه إذا فُتِحت هذه البلاد يترك بعض المسلمين المدينة المنورة، ويسارعون في الذهاب إليها لكثرة خيراتها وثرواتها، طمعاً في الدنيا، وهو معنى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( فيأتي قوم يبسون ) أي: يسوقون إبلهم ويسرعون في الذهاب إليها، فينتقلون إلى اليمن أو الشام أو غيرها بأهليهم ومن اتبعهم من أصحابهم، ( والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ): أي لو كان لديهم شيء من العلم الصحيح، والإِدراك السليم، لعلموا أن المدينة المنورة ـ طيبة الطيبة ـ خير لهم من تلك البلاد التي انتقلوا إليها، لما يتوفر فيها من الخيرات الدنيوية والأخروية التي لا توجد في غيرها .
قال النووي: " قال العلماء: في هذا الحديث معجزاتٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم، وأن الناس يتحملون بأهليهم إليها ويتركون المدينة، وأن هذه الأقاليم تفتح على هذا الترتيب: اليمن ثم الشام ثم العراق، ووجِد جميعُ ذلك كذلك بحمد الله وفضله ".
وقال ابن حجر: " قوله: ( تفتح اليمن ) قال ابن عبد البر وغيره: افتُتِحَت اليمن في أيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي أيام أبي بكر، وافتتحت الشام بعدها، والعراق بعدها، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد وقع على وِفق ما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعلى ترتيبه، ووقع تفرق الناس في البلاد لما فيها من السعة والرخاء، ولو صبروا على الإقامة بالمدينة لكان خيرا لهم " .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " هذا الحديث فيه آية من آيات النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ، حيث ذكر أن هذه الأقاليم الثلاثة تُفتح اليمن والشام والعراق، وأن من أهل المدينة من يبسون أي: ينصرفون عنها بأهليهم ويسكنون هذه البلاد، قال: ( والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ) وهذا في غير من ذهب إلى جهاد أو نشر العلم، أو ما أشبه ذلك، فذهابه خير، ولهذا ذهب كبار الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلى الشام ومصر والعراق واليمن من أجل نشر الدعوة الإسلامية، إذ لو بقوا في المدينة فمن يدعو الناس؟، ولو بقوا في المدينة من يجاهد الناس؟! " .
إن التاريخ يمتلئ برجال ادَّعوا القدرة على التنبؤ بالمستقبل، والقليل من هؤلاء من استطاع أن يصيب في بعض ما قاله دون مراعاةٍ للدقة في التفاصيل، أما أن يوجد في البشرية من يُخبر بعشرات من الأمور المستقبلية بأوصافٍ ودقّة مذهلة، بحيث يشهد الواقع والتاريخ على صحة كل ما تنبّأ به دون أخطاء، فذلك أمرٌ لا سبيل إلى معرفته أو الوصول إليه إلا بوحي من الله ـ عز وجل ـ، قال الله تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً }(الجنّ الآية 26: 27) .. وهو ما جعل وقوع ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم ـ عن فتوحات وانتصارات للمسلمين ـ ومنها فتح الشام والعراق واليمن ـ وجهاً من وجوه الإعجاز، ودليلاً من دلائل نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ
أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه وبشرهم كثيراً عن انتشار الإسلام وظهور أمره، وبلوغه إلى الآفاق، وهو أمر غيبي لا دخل فيه للتوقع والظن، خاصة أن بعض هذه الأحاديث والبشريات قالها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في وقت ضعف المسلمين، وعلى عكس ونقيض ما تُوحي به الأحداث، ومع ذلك كان ـ صلى الله عليه وسلم ـ يخبر أصحابه ـ رضي الله عنهم ـ أن الإسلام سيعلو وينتصر، وأن الله ـ عز وجل ـ سيبدل الخوف الذي يعيشون فيه بالأمن التام، فعن خباب بن الأرَتّ ـ رضي الله عنه ـ قال: ( شكونا إلى رسول الله ـ صلى الله عليه و سلم ـ وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟، ألا تدعو الله لنا ؟، قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ: كان الرجل فيمن قبلكم، يحفر له في الأرض فيجعل فيه، فيجاء بالمنشار فيوضع على رأسه، فيشق باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب، وما يصده ذلك عن دينه، والله ليتمن هذا الأمر، حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله أو الذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون ) رواه البخاري .
ومما بشّر به النبي - صلى الله عليه وسلم ـ أصحابه وأمته به، وتحقق بعد وفاته كما أخبر، وكان من دلائل صدقه ونبوته: بشارتُه بفتح اليمن والشام والعراق، واستيطان المسلمين بهذه البلاد .
في غزوة الأحزاب والمسلمون في حال شديدة من جوع شديدٍ وبردٍ قارصٍ، وعددٍ قليلٍ وأعداء كُثر، وفي أثناء حفر الخندق شكا الصحابة ـ رضوان الله عليهم ـ إلى النبي - صلى الله عليه وسلم ـ صخرة لم يستطيعوا كسرها، فجاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأخذ الفأس وقال: ( بسم الله، فضرب ضربة كسر منها ثلث الحجر، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأبصر قصورها الحمر من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ثانيةً فكسر ثلث الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح فارس، والله إني لأبصر المدائن وأبصر قصرها الأبيض من مكاني هذا، ثم قال: بسم الله، وضرب ضربة كسرت بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصر أبواب صنعاء من مكاني هذا ) رواه أحمد .
وفي إشارة نبوية أخرى لفتح المسلمين الشام والعراق واليمن، قال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لعبد الله بن حوالة ـ رضي الله عنه ـ: ( سيصير الأمر إلى أن تكونوا جنوداً مُجَنَّدَةٌ، جُنْدٌ بالشام، وَجُنْدٌ باليمن، وَجُنْدٌ بالعراق، فقال ابن حوالة: خِرْ لِي (اختر لي) يا رسول الله إنْ أدركتُ ذلك، فقال: عليك بالشام فإنها خيرة الله من أرضه، يجتبي إليها خيرته من عباده، فأما إِنْ أَبَيْتُمْ فَعَلَيْكُمْ بِيَمَنِكُمْ (الزموا اليمن)، وَاسْقُوا مِنْ غُدُرِكُمْ (حياضكم)، فإن الله - عز وجل - توكل (تكفل وضمن) لي بالشام وأهله ) رواه أبو داود وصححه الألباني .
وعن سفيان بن أبي زهير ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقول: ( تُفتَح اليمن فيأتي قوم يَبُسُّونَ (يسوقون دوابهم للرحيل من المدينة) فيتحملون بأهلهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح الشام فيأتي قومٌ يُبِسُّون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، وتُفتح العراق فيأتي قومٌ يُبِسُّون، فيتحملون بأهليهم ومن أطاعهم، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ) رواه البخاري .
لقد أخبر النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن فتح اليمن، وقد فتحت في آخر حياته، كما أخبر عن فتح الشام والعراق، وقد فُتح بعضها في عهد أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ، وبعضها في خلافة عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ، ثمَّ أخبر ـ صلى الله عليه وسلم ـ أنه إذا فُتِحت هذه البلاد يترك بعض المسلمين المدينة المنورة، ويسارعون في الذهاب إليها لكثرة خيراتها وثرواتها، طمعاً في الدنيا، وهو معنى قوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ( فيأتي قوم يبسون ) أي: يسوقون إبلهم ويسرعون في الذهاب إليها، فينتقلون إلى اليمن أو الشام أو غيرها بأهليهم ومن اتبعهم من أصحابهم، ( والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ): أي لو كان لديهم شيء من العلم الصحيح، والإِدراك السليم، لعلموا أن المدينة المنورة ـ طيبة الطيبة ـ خير لهم من تلك البلاد التي انتقلوا إليها، لما يتوفر فيها من الخيرات الدنيوية والأخروية التي لا توجد في غيرها .
قال النووي: " قال العلماء: في هذا الحديث معجزاتٌ لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، لأنه أخبر بفتح هذه الأقاليم، وأن الناس يتحملون بأهليهم إليها ويتركون المدينة، وأن هذه الأقاليم تفتح على هذا الترتيب: اليمن ثم الشام ثم العراق، ووجِد جميعُ ذلك كذلك بحمد الله وفضله ".
وقال ابن حجر: " قوله: ( تفتح اليمن ) قال ابن عبد البر وغيره: افتُتِحَت اليمن في أيام النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي أيام أبي بكر، وافتتحت الشام بعدها، والعراق بعدها، وفي هذا الحديث علم من أعلام النبوة، فقد وقع على وِفق ما أخبر به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، وعلى ترتيبه، ووقع تفرق الناس في البلاد لما فيها من السعة والرخاء، ولو صبروا على الإقامة بالمدينة لكان خيرا لهم " .
وقال الشيخ ابن عثيمين: " هذا الحديث فيه آية من آيات النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ، حيث ذكر أن هذه الأقاليم الثلاثة تُفتح اليمن والشام والعراق، وأن من أهل المدينة من يبسون أي: ينصرفون عنها بأهليهم ويسكنون هذه البلاد، قال: ( والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون ) وهذا في غير من ذهب إلى جهاد أو نشر العلم، أو ما أشبه ذلك، فذهابه خير، ولهذا ذهب كبار الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلى الشام ومصر والعراق واليمن من أجل نشر الدعوة الإسلامية، إذ لو بقوا في المدينة فمن يدعو الناس؟، ولو بقوا في المدينة من يجاهد الناس؟! " .
إن التاريخ يمتلئ برجال ادَّعوا القدرة على التنبؤ بالمستقبل، والقليل من هؤلاء من استطاع أن يصيب في بعض ما قاله دون مراعاةٍ للدقة في التفاصيل، أما أن يوجد في البشرية من يُخبر بعشرات من الأمور المستقبلية بأوصافٍ ودقّة مذهلة، بحيث يشهد الواقع والتاريخ على صحة كل ما تنبّأ به دون أخطاء، فذلك أمرٌ لا سبيل إلى معرفته أو الوصول إليه إلا بوحي من الله ـ عز وجل ـ، قال الله تعالى: { عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً }(الجنّ الآية 26: 27) .. وهو ما جعل وقوع ما أخبر به النبي - صلى الله عليه وسلم ـ عن فتوحات وانتصارات للمسلمين ـ ومنها فتح الشام والعراق واليمن ـ وجهاً من وجوه الإعجاز، ودليلاً من دلائل نبوته ـ صلى الله عليه وسلم ـ