حولَ معنى الهدايةِ
أما بعد :-
قال تعالى : مُخاطباً نبيهِ الكريمِ صلِّ ياربِّ عليهِ وآلهِ وباركْ وسلِّم ، كما تُحبهُ وترضاهُ آمين :
{
وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِن
وَرَاء حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ
إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ . وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ
أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن
جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ . صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ } الشورى 50 – 53 ،
وقال تعالى ، في آيةٍ أخرى :
{ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ }القصص 56 ، أحبتي في اللهِ تعالى :
نعيشُ هذا اللقاءِ ، معَ ألآيتينِ الكريمتينِ ، وموضوع ، هداية اللهِ
تعالى، وقدْ قدمتُ آية الشُّورى على آيةِ القصصِ ، تقديماً للإثباتِ ، على
النفيِّ ، ونحن نرى الآية الأولى ، تثبت الهدايةِ ، للنَّبيِّ صلِّ ياربِّ عليهِ وآلهِ وباركْ وسلَّم ، كما تُحبهُ وترضاهُ ، فتقول :
- ( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) ونرى الآية الثانية ، تنفي قدرة هداية الناسِ ، عن النَّبيِّ ، وتثبت ذلكَ للهِ تعالى وحدهُ ، قال تعالى :
( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) ،
وحتى لا نخطئ فهم القرآن ، أحبُّ ، أنْ نتتبع معاً ، كلمة الهداية ، في كلِّ القرآنِ ، ليظهر لنا ، أنَّ لهذهِ الكلمةِ معنيينِ :
الأول : هداية ، بمعنى الإرشادِ إلى الخيرِ : وهذا ، ما أثبتهُ القرآن للنَّبيِّ ولإخوانهِ منْ الأنبياءِ والصَّالحين .
والثاني : هداية ، بمعنى التوفيقِ ، وانشراحِ الصَّدرِ للخيرِ ، وهذه لا يقدر عليها إلا الله تعالى .
قال تعالى :
{ فَمَن يُرِدِ اللّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلاَمِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ
يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاء كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ الرِّجْسَ عَلَى
الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ }الأنعام125،
ومعلوم ، أنَّ دورَ الهدايةِ الثانيةِ ، وهي التوفيق ، منْ اللهِ تعالى ، يأتي بعدَ قبولِ ، الهدايةِ الأولى ، وتسليم الوجهِ للهِ تعالى ، قال تعالى :
{ مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }التغابن 11 ، وقال تعالى :
{ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى وَالْبَاقِيَاتُ
الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَاباً وَخَيْرٌ مَّرَدّاً } مريم 76 ، وقال تعالى :
{ وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ } مُحَمَّد 17 ، فإذا رفضَ الناس قبول هداية الأنبياءِ ، حرموا أنفسهم منْ ، هدايةِ اللهِ تعالى وتوفيقهِ ، قال تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النحل 104 ، وقدْ قدمَ القرآن الكريم ، نموذجاً ، لهذا النوعِ ، من الناسِ ، وبينَ مصيرهمْ ، فقال تعالى :
{ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى
الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا
يَكْسِبُونَ . وَنَجَّيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ }فصلت 17 – 18 ،
ومَثلُ ذلكَ ، كسائق سيّارةٍ ، سألكَ عنْ الطريقِ ، فأرشدتهُ فشكرَ لكَ ،
وأرادَ أنْ : يسيرَ فقلتَ لهُ : أنَّ أمامكَ الطريق وعر ، فركبتَ معهُ
حتى أوصلتهُ ، أترى هذا السَّائقِ ، لو رفضَ نصحكَ واتهمكَ بالجهلِ أيستحق
مُساعدتكَ ؟؟ ، هذا وللهِ تعالى المَثل الأعلى ، إنَّ قبولَ الناسِ
لهدايةِ الأنبياءِ ، معناهُ صفاء فطرتهم ، وخضوعهمْ للخيرِ ، فَمِثلهمْ
جدير ، أنْ يوفق إلى الخيرِ ، وأنْ ينشرح صدرهُ لهُ ، ومنْ حقِّ القارئِ ،
أنْ يسألَ ، ما دامَ الأمر كذلكَ :
ـ الهداية الأولى ـ توصل ـ للهداية الثانية ـ فما بال القرآن الكريمِ ، علقَّ الهدايةِ والإضلالِ ، على مشيئةِ اللهِ تعالى ، فقال تعالى :
{ أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللَّهَ
يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ
عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ }فاطر
8 ، ونقول : أنَّ الأمرَ سهلٌ ، لانَّ هناكَ ، آيات ، وضحتْ ، الذينَ
شاءَ اللهُ تعالى ، أنْ يُضَّلهمْ ، كما ، أنَّ هناكَ آيات ، وضحت ، الذينَ
شاءَ اللهُ تعالى ، أنْ يهديهمْ ، والآن مع الآياتِ ، َإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَن يَشَاءُ ، منْ هُمْ ياربّ ؟؟ ، فيقول تعالى :
{ ... وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلاَّ الْفَاسِقِينَ الَّذِينَ يَنقُضُونَ
عَهْدَ اللَّهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ
بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ أُولَـئِكَ هُمُ
الْخَاسِرُونَ }البقرة26- 27 ،
{... وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ }البقرة 258 ، { ..... وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ }التوبة 37 ، { ..... وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ }التوبة 24 ، {... إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ }غافر 28 ، {. إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }الزمر 3 ،
{...... إِنَّ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللّهِ لاَ يَهْدِيهِمُ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }النحل 104 ،
فهلْ عرفتَ ، الذينَ شاءَ اللهُ تعالى ، أنْ يُضلهم ؟؟ ، إنهمْ الذينَ : آثروا الضَّلال ، على الهدى ، ورفضوا قبول هدايةِ اللهِ تعالى ، ويهدي إليهِ منْ يشاءُ ، فسرتها آية ، أخرى ، وبينت الذين شاء الله ، هدايتهم فقال تعالى :
{.....
وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ . الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ
قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ
}الرعد 27 – 28 ، فهل عرفت الذين شاءَ اللهُ تعالى هدايتهم :- إنهمْ الذينَ ، أنابوا إلى ربهم ، وإنهم الذين آمنوا بربهم ، قال تعالى :
{ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ ...}يونس 9 ،
يهديهم ربهم بإيمانهم ، أي بسببِ إيمانهم ، إنهمْ الذينَ جاهدوا منْ أجلِ دينِ ربهم ، قال تعالى :
{ وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ } العنكبوت
69 ، وبعد : لعلَّ الأمر ، قدْ ظهرَ جلياً ، أنَّ النَّبيَّ صلِّ ياربِّ
عليهِ وآلهِ وباركْ وسلِّمْ ، كما تحبهُ وترضاهُ ، آمين ، يهدي الناس هداية تعليم وإرشاد وهذه الهداية ، هي سبب ، الهدايةِ العُليا ،
فالتوفيق كلّ التوفيق ، لمن صدَّقَ بالنَّبيِّ ، واتبعَ هديه ،. والذينَ كفروا حرموا ، أنفسهم هداية اللهِ تعالى ، أقولُ ذلكَ :
حتى لا نُخطئ فهم القرآنِ
منْ مُحاضراتِ الأستاذ الشيخ محمود محمد غريب / من علماءِ الأزهرِ الشَّريفِ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ{2} الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ{3}
مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ{4} إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ{5}
اهدِنَــــا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ{6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ
عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ{7}سورة الفاتحة
منقول للفائدة .....