خديجة بنت خويلد رضي الله عنها
هي أوّل زوجات النبي
- صلى الله عليه وسلم - ، وأمّ أولاده ، وخيرة نسائه ، وأول من آمن به
وصدقه ، أم هند ، خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية
الأسدية ، وأمها فاطمة بنت زائدة ، قرشية من بني عامر بن لؤي .
ولدت خديجة رضي الله عنها بمكة ، ونشأت في بيت شرف ووجاهة ، وقد مات والدها يوم حرب الفجَار .
تزوجت مرتين قبل رسول الله - صلى
الله عليه وسلم – باثنين من سادات العرب ، هما : أبو هالة بن زرارة بن
النباش التميمي ، وجاءت منه بهند وهالة ، وأما الثاني فهو عتيق بن عائذ بن
عمر بن مخزوم ، وجاءت منه بهند بنت عتيق .
وكان لخديجة رضي الله عنها حظٌ
وافر من التجارة ، فكانت قوافلها لا تنقطع بين مكّة والمدينة ، لتضيف إلى
شرف مكانتها وعلوّ منزلتها الثروة والجاه ، حتى غدت من تجّار مكّة
المعدودين .
وخلال ذلك كانت تستأجر الرجال
وتدفع إليهم أموالها ليتاجروا به ، وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
واحداً من الذين تعاملوا معها ، حيث أرسلته إلى الشام بصحبة غلامها ميسرة ,
ولما عاد أخبرها الغلام بما رآه من أخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم –
وما لمسه من أمانته وطهره ، وما أجراه الله على يديه من البركة ، حتى تضاعف
ربح تجارتها ، فرغبت به زوجاً ، وسرعان ما خطبها حمزة بن عبدالمطلب لابن
أخيه من عمها عمرو بن أسد بن عبدالعزى ، وتمّ الزواج قبل البعثة بخمس عشرة
سنة وللنبي - صلى الله عليه وسلم - 25 سنة ، بينما كان عمرها 40سنة ، وعاش
الزوجان حياة كريمة هانئة ، وقد رزقهما الله بستة من الأولاد : القاسم و
عبد الله و زينب و رقية و أم كلثوم و فاطمة .
وكانت خديجة رضي الله عنها تحب
النبي - صلى الله عليه وسلم – حبّاً شديداً ، وتعمل على نيل رضاه والتقرّب
منه ، حتى إنها أهدته غلامها زيد بن حارثة لما رأت من ميله إليه.
وعند البعثة
كان لها دورٌ مهم في تثبيت النبي – صلى الله عليه وسلم – والوقوف معه ،
بما آتاها الله من رجحان عقل وقوّة الشخصيّة ، فقد أُصيب عليه الصلاة
والسلام بالرعب حين رأى جبريل أوّل مرّة ، فلما دخل على خديجة قال : (
زمّلوني زمّلوني ) ، ولمّا ذهب عنه الفزع قال : ( لقد خشيت على نفسي ) ،
فطمأنته قائلةً : " كلا والله لا يخزيك الله أبداً ، فوالله إنك لتصل الرحم
، وتصدق الحديث ، وتحمل الكلّ ، وتكسب المعدوم ، وتقري الضيف ، وتعين على
نوائب الحق " رواه البخاري ، ثم انطلقت به إلى ورقة بن نوفل ليبشّره
باصطفاء الله له خاتماً للأنبياء عليهم السلام .
ولما علمت – رضي الله عنها –
بذلك لم تتردّد لحظةً في قبول دعوته ، لتكون أول من آمن برسول الله وصدّقه ،
ثم قامت معه تسانده في دعوته ، وتؤانسه في وحشته ، وتذلّل له المصاعب ،
فكان الجزاء من جنس العمل ، بشارة الله لها ببيت في الجنة من قصب ، لا صخب
فيه ولا نصب، رواه البخاري و مسلم .
وقد حفظ النبي – صلى الله عليه
وسلم – لها ذلك الفضل ، فلم يتزوج عليها في حياتها إلى أن قضت نحبها ، فحزن
لفقدها حزناً شديداً ، ولم يزل يذكرها ويُبالغ في تعظيمها والثناء عليها ،
ويعترف بحبّها وفضلها على سائر أمهات المؤمنين فيقول : ( إني قد رزقت
حبّها ) رواه مسلم ، ويقول : ( آمنت بي إذ كفر بي الناس ، وصدّقتني إذ
كذبني الناس ، وواستني بمالها إذ حرمني الناس ، ورزقني الله عز وجل ولدها
إذ حرمني أولاد النساء ) رواه أحمد ، حتى غارت منها عائشة رضي الله عنها
غيرة شديدةً .
ومن وفائه
– صلى الله عليه وسلم – لها أّنه كان يصل صديقاتها بعد وفاتها ويحسن
إليهنّ ، وعندما جاءت جثامة المزنية لتزور النبي – صلى الله عليه وسلم أحسن
استقبالها ، وبالغ في الترحيب بها ، حتى قالت عائشة رضي الله عنها : " يا
رسول الله ، تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال ؟ " ، فقال : ( إنها كانت
تأتينا زمن خديجة ؛ وإن حسن العهد من الإيمان ) رواه الحاكم ، وكان - صلى
الله عليه وسلم - إذا ذبح الشاة يقول : ( أرسلوا بها إلى أصدقاء خديجة )
رواه مسلم .
وقد بيَّن النبيُّ
- صلى الله عليه وسلم - فضلها حين قال: ( أفضل نساء أهل الجنة خديجة بنت
خويلد ، وفاطمة بنت محمد، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون ، ومريم ابنة عمران
رضي الله عنهن أجمعين ) رواه أحمد ، وبيّن أنها خير نساء الأرض في عصرها في
قوله : ( خير نسائها مريم بنت عمران وخير نسائها خديجة بنت خويلد ) متفق
عليه .
وقد توفيت رضي الله عنها قبل
الهجرة بثلاث سنين ، وقبل معراج النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ولها من
العمر خمس وستون سنة ، ودفنت بالحجُون ، لترحل من الدنيا بعدما تركت سيرةً
عطرة ، وحياة حافلةً ، لا يُنسيها مرور الأيام والشهور ، والأعوام والدهور ،
فرضي الله عنها وأرضاها .