الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام
على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم
إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة ، مع درس جديد من دروس سنن الله في القرآن الكريم ، والقانون اليوم قانون الرزق .
الرزق من عند الله:
بادئ ذي بدء : الإنسان حريص حرص لا حدود له على حياته ، وعلى رزقه ، فلذلك هذا الرزق له قوانين ، هذا الرزق من عند الله .
﴿ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ .( سورة النور ) .
قوانين الرزق:
ولكن لهذا الرزق قوانين ، من هذه القوانين :
1 – الاستقامة :
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾ .( سورة الجن ) .
والماء رمز الرزق :﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾ .
إذاً : الاستقامة أحد أسباب الرزق الوفير ، فمن أراد أن يزيد في رزقه
فليستقم على أمر الله ، الآية الواضحة والعامة والرائعة هي قوله تعالى :
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾ .( سورة الطلاق ) .
﴿ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾ ، أن يستقيموا على أمره ، فأيُّ إنسان أراد أن يكون في
بحبوحة فليستقم على أمر الله استقامة ترضي الله عز وجل ، لا بحسب فهمك ،
لكن بحسب حدود الاستقامة في الشرع ، وهناك أناس كثيرون يتوهمون أنهم
مستقيمون ، وهم ليسوا كذلك ، فكلما ازددت علماً ازدادت معرفتك بالثغرات في
استقامتك .
2 – الإيمان والتقوى :
أيها الإخوة الكرام ، قانون آخر :
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ
وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ
وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ .( سورة الأعراف ) .
إذاً : الإيمان بالله ، والاستقامة على أمره أيضاً أحد أسباب الرزق الوفير ، وكل إنسان أودع الله فيه حب المال ، قال تعالى :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ
النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ .( سورة آل عمران الآية : 14 ) .
كل شهوة لها قناة نظيفة تسري من خلالها :
النقطة الدقيقة : أنه ما من شهوة أودعها الله
بالإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، فإذا أحب الإنسان المال
بحسب فطرته فهذا الحب يمكن أن يروى بقناة نظيفة ، أحب المال فيعمل في عمل
مشروع فيأتيه كسب وفير يتمتع به ، ويكشر الله عليه .
لذلك هذه الشهوات التي أودعها الله فينا ما أودعها فينا إلا كي نرقى إلى رب
الأرض والسماوات ، نرقى بها مرة صابرين ، ومرة شاكرين ، أية شهوة أودعها
الله في الإنسان إذا ترك الجانب المحرم منها ، وأخذ الجانب الحلال يرقى
مرتين ، يرقى بترك الجانب المحرم إلى الله صابراً ، ويرقى بأخذ الجانب
الحلال شاكراً إلى الله عز وجل .
هل المال نعمة أم نقمة ؟
أيها الإخوة ، ما منا واحد على الإطلاق إلا ويتمنى الرزق الوفير ، والمال من نعم الله الكبرى ، ولكن لا بد من هذا التنويه :
المال هل هو نعمة ؟ قلت قبل قليل : من نعم الله الكبرى ، الإجابة الدقيقة
ليس : نعمة ، وليس نقمة ، ولكنه موقوف على طريقة كسبه وإنفاقه ، فإن اكتسب
الإنسان المال من وجه مشروع ، وأنفقه في وجه مشروع فهو أكبر نعمة على
الإطلاق ، إن المال قوام الحياة ، ولا بد من التنويه أن المال قوة كبيرة
في الحياة ، لذلك يجب على كل مسلم أن يكون مكتفياً ، وإن أمكن أن يكون
غنياً ، لماذا ؟ لأن خياراته في العمل الصالح تغدو كثيرة جداً ، ولأن علة
وجودك في الأرض هو العمل الصالح ، ولأن الإنسان حينما يأتيه ملك الموت لا
يندم إلا على تقصيره بالعمل الصالح ، كلما كنت قوياً أكثر كانت خياراتك في
العمل الصالح أكثر .
المؤمن الغني له من طرق العمل الصالح ما ليس للمؤمن الفقير :
الآن الإنسان الميسور يمكن أن يزوج شبابا ، أن يفتح بيوت ، أن يرعى أرامل ،
أن يرعى أيتاما ، أن يوفر فرص عمل ، فالإنسان كلما كان أقوى كانت خياراته
في الأعمال الصالحة أوسع .
فلذلك ينبغي أن تكون قوياً من ناحية المال مثلاً ، لكن قد يكون طريق القوة
المالية محفوفا بالمخاطر ، وفي بعض الأقوال اللطيفة : الاقتصاد في المعيشة
خير من بعض التجارة .
قد يأخذ إنسان أموال الناس ، ويغامر بها فيقع تحت ديون طائلة يسحق ، نقول
لمثل هذا الإنسان : الاقتصاد في المعيشة خير من بعض التجارة ، أما إذا كان
طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله فينبغي أن تكون غنياً إنسان لأن فرص عمل
الصالح للأغنياء لا تعد ولا تحصى .
والله أيها الإخوة ، لا يُغبط إلا غني مؤمن ، بإمكانه بماله أن يصل إلى أعلى درجات الجنة ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ : وَرَجُلٌ
آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ
النّهَارِ رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ
وآنَاءَ النّهَارِ )) .
[ متفق عليه ] .
بالمال تملأ قلوب الناس فرحاً ، بالمال تطعم الجائعين ، تكسو العراة ،
بالمال ترأب الصدع ، توفق بين الناس ، بالمال تزوج الشباب ، بالمال تسعى
بتزويج الفتيات ، والأعمال الصالحة لا تعد ولا تحصى ، بل إن الطرائق إلى
الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، دقق في أن علة وجودك في الأرض العمل الصالح ،
والعمل الصالح قد يحتاج إلى المال .
لذلك هناك كلمة لصحابي جليل : << حبذا المال أصون به عرضي ،
وأتقرب به إلى ربي >> ، هذا الصحابي الجليل رسم للمال هدفين
واضحين ، أصون به عرضي ، أطعم أولادي ، أكسو زوجتي ، أملأ البيت فرحاً
بتلبية ما يحتاجون ، والمال له وظيفة أخروية كبيرة جداً ، وأتقرب به إلى
ربي ، بل إن المؤمن يسعده العطاء لا الأخذ ، فإذا كان طريق الغنى سالكاً
وفق منهج الله فينبغي أن تكون غنياً ، لأن فرص العمل الصالح للغني لا تعد
ولا تحصى ، أما إذا كان طريق الغنى سالكاً على حساب مبادئك ودينك فالفقر
وسام شرف لك .
إذاً أول قانون : ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾ .
القانون الثاني : ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾ .
3 – الاستغفار :
الآن : أحد أسباب وفرة الرزق الاستغفار ، طالبوني بالدليل ، قال تعالى :﴿
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ
السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾ .( سورة نوح ) .
فلذلك قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ .( سورة الأنفال الآية : 33 ) .
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعذب أمة محمد عليه الصلاة والسلام وسنة النبي بعد وفاته قائمة في حياته .
﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾
، أي سنتك مطبقة في حياتهم ، في كسب أموالهم ، في إنفاق أموالهم ، في
أفراحهم ، في أتراحهم ، في حلهم ، في ترحالهم ، في كل شؤون حياتهم .
الآن :﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ .( سورة الأنفال ) .
أنت في بحبوحتين ، بحبوحة الاستغفار ، وبحبوحة تطبيق منهج رسول الله ، إذاً: ﴿
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ
السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾ .
4 – الصلاة والذِّكر :
الآن :﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ﴾ .( سورة طه الآية : 132 ) .
استنبط العلماء من هذه الآية أن البيت الذي فيه صلوات تؤدى ، وأن المحل
التجاري الذي يؤدي أفراده الصلوات الخمس ، والذي يقام فيه منهج الله ،
الصلاة والذكر أحد أسباب جلب الرزق .
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ﴾ .
﴿ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ .( سورة طه ) .
التقتير الإلهي تقتير تأديب لا تقتير عجزٍ :
أيها الإخوة ، لابد أن أوضح حقيقة خطيرة جداً : أن أيّ تقنين إلهي هو تقنين
تأديب لا تقنين عجز ، إن أي تقنين إلهي إنْ كان في الأمطار ، إن كان في
الأرزاق ، إن كان في المحاصيل ، إن كان في النبات أي تقنين إلهي هو تقنين
تأديب لا تقنين عجز ، لقول الله جل جلاله :
﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ .( سورة الحجر ) .
إذاً : أي تقنين تقنينُ تأديب لا تقنين عجز ، أما حينما يقنن الإنسان ففي
الأعم الأغلب يقنن تقنين عجز ، أما إلهنا جل جلاله إذا قنن تقنينه تقنين
تأديب .
الغنى والفقر بحكمة الله:
لكن أحياناً لحكمة بالغة ، لأن الله يعلم ما يكون ، وما سيكون ، وما لم يكن
لو كان كيف كان يكون ، وقد قيل : علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما
سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، لأن الله وحده يعلم ما الذي
سيكون لو كنت غنياً ، وما الذي سيكون إن كنت فقيراً ، فلذلك هناك حكمة
بالغةٌ من أن هذا الإنسان أراد الله له دخلاً محدوداً ، وهذا إنسان أراد له
دخلاً غير محدود ، لأن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى ، فإذا أفقرته
أفسدت عليه دينه ، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر ، فإذا أغنيته
أفسدت عليه دينه .
إذاً : لأن الله يعلم ما سيكون فقد يختار لكل واحد منا رزقاً يعينه على أن يصل إلى دار السلام بسلام ، لذلك في بعض الأحاديث :
(( فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ )) .[ أخرجه البخاري ومسلم عن عليّ رضي اللّه عنه ] .
هو خُلق للجنة ، فإن كان الدخل المحدود يمكن أن يكون سبباً أقوى في بلوغ الجنة يجعل الله هذا الإنسان ذا دخل محدود .
هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا ...
أما إذا كان الدخل غير المحدود سبب للتفلت والانغماس بالملذات ، ثم المعاصي
والآثام يأتي هذا الحديث الذي أسميه قاصمة الظهر ، يقول عليه الصلاة
والسلام (
بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا
مُنْسِيًا ، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ، أَوْ هَرَمًا
مُفَنِّدًا ، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ، أَوْ الدَّجَّالَ ، فَشَرُّ
غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ السَّاعَةَ ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
.[ أخرجه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة ] .
عدّ النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً من المصائب .
((هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ،
أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ، أَوْ مَوْتًا
مُجْهِزًا ، أَوْ الدَّجَّالَ ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ
السَّاعَةَ ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )) . [ أخرجه الترمذي والحاكم
عن أبي هريرة ] .
إذاً : لأن الله علم ما كان ، وما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون يختار لعبده نوعاً من الرزق ، فالمؤمن الصادق يرضى عن الله .
إن إنسانا كان يطوف حول الكعبة وهو يقول : " يا رب ، هل أنت راضٍ
عني ، ورآه الإمام الشافعي قال : يا هذا ، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى
عنك ؟ قال : سبحان الله ! من أنت ؟ قال : أنا محمد بن إدريس ، قال : كيف
أرضى عن الله وأنا أتمنى رضاه ؟ فقال له : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك
بالنعمة فقد رضيت عن الله " .
فالمؤمن الصادق يرضى عن الله ، ولو كان ذا دخل محدود .
عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (
عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ
ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ
فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ
خَيْرًا لَهُ )) .[ مسلم ]
إذاً : يجب أن تعلم علم اليقين أنك تدعو الله فيجب أن تستقيم ، وتؤمن ،
وتتقي ، لكن أحياناً هناك حكمة بالغةٌ بالغة من الدخل الذي قدره الله لك .
إخوتنا الكرام ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( قَدْ
أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا
آتَاهُ )) .[ مسلم ]
لذلك : عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي
جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ
الدُّنْيَا )) .[الترمذي]
سأل ملِكٌ وزيره : مَن الملك ؟ قال له : أنت ، قال : " لا ، الملك
رجل لا نعرفه ولا يعرفنا ، له بيت يؤويه ، وزوجة ترضيه ، ورزق يكفيه ، إنه
عن إن عرفنا جهد في استرضائنا ، وإن عرفناه جهدنا في إحراجه " .
لذلك قد يكون الكفاف وضعاً مثالياً للمؤمن ، الكفاف لا يعني أنك فقير ، ولا
يعني أنك مترف ، لذلك قالوا : خذ من الدنيا ما شئت ، وخذ بقدرها هَمًّا ،
ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر .
لذلك أسباب الرزق أحياناً صلة الرحم ، أسباب الرزق أداء الصلوات ، أسباب
الرزق الإيمان والاستقامة على أمر الله ، أسباب الرزق الإيمان والتقوى ،
أسباب الرزق الاستغفار ، هذه كلها أسباب للرزق ، لكن أريد أن آبين لكم
حقيقة :
لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها :
هناك منطقة مشهورة بالتفاح ، لو دخلنا إلى البستان الرابع من بداية هذه
المنطقة ، وتجولنا فيه ، ورأينا الشجرة الثامنة ، والغصن الثالث ، والتفاحة
العاشرة ، هذه التفاحة لك ، من وقت أن خلقها الله هي لك ، وهذا معنى الرزق
المقسوم ، أما وصولها إليك فباختيارك ، هذه التفاحة لك ، يمكن أن تصل إليك
هدية ، يمكن أن تصل إليك ضيافة ، يمكن أن تصل إليك صدقة ، يمكن أن تصل
إليك تسولاً ، يمكن أن تصل إليك سرقة ، يمكن أن تصل إليك شراءً ، الشراء
طريقة ، والسرقة طريقة ، والتسول طريقة ، والصدقة طريقة ، لذلك هي لك ،
ولكن طريقة وصولها إليك باختيارك ، من هنا ورد في الحديث الشريف (
إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها
، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، واستجملوا مهنكم )) .[ أخرجه أبو نعيم
في الحلية عن أبي أمامة ] .
اختر حرفة شريفة ، لأن الرزق هو هو ، وما عند الله ما ينال بمعصية الله .
(( من حاول أمرا بمعصية الله كان أبعد له مما رجا ، وأقرب مما يتقي )) .[ رواه أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه ] .
فلذلك أيها الإخوة ، هذه مبادئ متعلقة الرزق ، الاستقامة ، العمل الصالح
الإيمان ، التقوى ، الاستغفار ، صلة الرحم ، إقامة الصلوات ، هذه أسباب
الرزق ، والرزق مقسوم بمعنى أن الله سبحانه وتعالى يسوق لك الرزق المناسب ،
فليس في الإمكان أبدع مما كان ، والقاعدة اللطيفة في حكم ابن عطاء الله
السكندري : " ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، وإذا كشف لك
الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء " ، والمؤمن راضٍ عن الله
يقول : يا رب ، احفظني وارزقني ، ارزقني طيباً واستعملني صالحاً .
والحمد لله رب العامين
على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم
إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
أيها الإخوة ، مع درس جديد من دروس سنن الله في القرآن الكريم ، والقانون اليوم قانون الرزق .
الرزق من عند الله:
بادئ ذي بدء : الإنسان حريص حرص لا حدود له على حياته ، وعلى رزقه ، فلذلك هذا الرزق له قوانين ، هذا الرزق من عند الله .
﴿ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاء بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ .( سورة النور ) .
قوانين الرزق:
ولكن لهذا الرزق قوانين ، من هذه القوانين :
1 – الاستقامة :
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾ .( سورة الجن ) .
والماء رمز الرزق :﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾ .
إذاً : الاستقامة أحد أسباب الرزق الوفير ، فمن أراد أن يزيد في رزقه
فليستقم على أمر الله ، الآية الواضحة والعامة والرائعة هي قوله تعالى :
﴿ وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا ﴾ .( سورة الطلاق ) .
﴿ يَتَّقِ اللَّهَ ﴾ ، أن يستقيموا على أمره ، فأيُّ إنسان أراد أن يكون في
بحبوحة فليستقم على أمر الله استقامة ترضي الله عز وجل ، لا بحسب فهمك ،
لكن بحسب حدود الاستقامة في الشرع ، وهناك أناس كثيرون يتوهمون أنهم
مستقيمون ، وهم ليسوا كذلك ، فكلما ازددت علماً ازدادت معرفتك بالثغرات في
استقامتك .
2 – الإيمان والتقوى :
أيها الإخوة الكرام ، قانون آخر :
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ
وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ
وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ ﴾ .( سورة الأعراف ) .
إذاً : الإيمان بالله ، والاستقامة على أمره أيضاً أحد أسباب الرزق الوفير ، وكل إنسان أودع الله فيه حب المال ، قال تعالى :
﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ
النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ
وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ
مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ﴾ .( سورة آل عمران الآية : 14 ) .
كل شهوة لها قناة نظيفة تسري من خلالها :
النقطة الدقيقة : أنه ما من شهوة أودعها الله
بالإنسان إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، فإذا أحب الإنسان المال
بحسب فطرته فهذا الحب يمكن أن يروى بقناة نظيفة ، أحب المال فيعمل في عمل
مشروع فيأتيه كسب وفير يتمتع به ، ويكشر الله عليه .
لذلك هذه الشهوات التي أودعها الله فينا ما أودعها فينا إلا كي نرقى إلى رب
الأرض والسماوات ، نرقى بها مرة صابرين ، ومرة شاكرين ، أية شهوة أودعها
الله في الإنسان إذا ترك الجانب المحرم منها ، وأخذ الجانب الحلال يرقى
مرتين ، يرقى بترك الجانب المحرم إلى الله صابراً ، ويرقى بأخذ الجانب
الحلال شاكراً إلى الله عز وجل .
هل المال نعمة أم نقمة ؟
أيها الإخوة ، ما منا واحد على الإطلاق إلا ويتمنى الرزق الوفير ، والمال من نعم الله الكبرى ، ولكن لا بد من هذا التنويه :
المال هل هو نعمة ؟ قلت قبل قليل : من نعم الله الكبرى ، الإجابة الدقيقة
ليس : نعمة ، وليس نقمة ، ولكنه موقوف على طريقة كسبه وإنفاقه ، فإن اكتسب
الإنسان المال من وجه مشروع ، وأنفقه في وجه مشروع فهو أكبر نعمة على
الإطلاق ، إن المال قوام الحياة ، ولا بد من التنويه أن المال قوة كبيرة
في الحياة ، لذلك يجب على كل مسلم أن يكون مكتفياً ، وإن أمكن أن يكون
غنياً ، لماذا ؟ لأن خياراته في العمل الصالح تغدو كثيرة جداً ، ولأن علة
وجودك في الأرض هو العمل الصالح ، ولأن الإنسان حينما يأتيه ملك الموت لا
يندم إلا على تقصيره بالعمل الصالح ، كلما كنت قوياً أكثر كانت خياراتك في
العمل الصالح أكثر .
المؤمن الغني له من طرق العمل الصالح ما ليس للمؤمن الفقير :
الآن الإنسان الميسور يمكن أن يزوج شبابا ، أن يفتح بيوت ، أن يرعى أرامل ،
أن يرعى أيتاما ، أن يوفر فرص عمل ، فالإنسان كلما كان أقوى كانت خياراته
في الأعمال الصالحة أوسع .
فلذلك ينبغي أن تكون قوياً من ناحية المال مثلاً ، لكن قد يكون طريق القوة
المالية محفوفا بالمخاطر ، وفي بعض الأقوال اللطيفة : الاقتصاد في المعيشة
خير من بعض التجارة .
قد يأخذ إنسان أموال الناس ، ويغامر بها فيقع تحت ديون طائلة يسحق ، نقول
لمثل هذا الإنسان : الاقتصاد في المعيشة خير من بعض التجارة ، أما إذا كان
طريق الغنى سالكاً وفق منهج الله فينبغي أن تكون غنياً إنسان لأن فرص عمل
الصالح للأغنياء لا تعد ولا تحصى .
والله أيها الإخوة ، لا يُغبط إلا غني مؤمن ، بإمكانه بماله أن يصل إلى أعلى درجات الجنة ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام :
(( لا حَسَدَ إِلاّ في اثْنَتَيْنِ : وَرَجُلٌ
آتَاهُ الله القُرْآنَ فَهُوَ يَقُومُ بِهِ آنَاءَ اللّيْلِ وَآنَاءَ
النّهَارِ رَجلٌ آتَاهُ الله مَالاً فَهُوَ يُنْفِقُ منهُ آنَاءَ اللّيْلِ
وآنَاءَ النّهَارِ )) .
[ متفق عليه ] .
بالمال تملأ قلوب الناس فرحاً ، بالمال تطعم الجائعين ، تكسو العراة ،
بالمال ترأب الصدع ، توفق بين الناس ، بالمال تزوج الشباب ، بالمال تسعى
بتزويج الفتيات ، والأعمال الصالحة لا تعد ولا تحصى ، بل إن الطرائق إلى
الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، دقق في أن علة وجودك في الأرض العمل الصالح ،
والعمل الصالح قد يحتاج إلى المال .
لذلك هناك كلمة لصحابي جليل : << حبذا المال أصون به عرضي ،
وأتقرب به إلى ربي >> ، هذا الصحابي الجليل رسم للمال هدفين
واضحين ، أصون به عرضي ، أطعم أولادي ، أكسو زوجتي ، أملأ البيت فرحاً
بتلبية ما يحتاجون ، والمال له وظيفة أخروية كبيرة جداً ، وأتقرب به إلى
ربي ، بل إن المؤمن يسعده العطاء لا الأخذ ، فإذا كان طريق الغنى سالكاً
وفق منهج الله فينبغي أن تكون غنياً ، لأن فرص العمل الصالح للغني لا تعد
ولا تحصى ، أما إذا كان طريق الغنى سالكاً على حساب مبادئك ودينك فالفقر
وسام شرف لك .
إذاً أول قانون : ﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا ﴾ .
القانون الثاني : ﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾ .
3 – الاستغفار :
الآن : أحد أسباب وفرة الرزق الاستغفار ، طالبوني بالدليل ، قال تعالى :﴿
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ
السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾ .( سورة نوح ) .
فلذلك قال تعالى :﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾ .( سورة الأنفال الآية : 33 ) .
مستحيل وألف ألف مستحيل أن تعذب أمة محمد عليه الصلاة والسلام وسنة النبي بعد وفاته قائمة في حياته .
﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ ﴾
، أي سنتك مطبقة في حياتهم ، في كسب أموالهم ، في إنفاق أموالهم ، في
أفراحهم ، في أتراحهم ، في حلهم ، في ترحالهم ، في كل شؤون حياتهم .
الآن :﴿ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ﴾ .( سورة الأنفال ) .
أنت في بحبوحتين ، بحبوحة الاستغفار ، وبحبوحة تطبيق منهج رسول الله ، إذاً: ﴿
فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا * يُرْسِلِ
السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَارًا * وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ
وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَارًا ﴾ .
4 – الصلاة والذِّكر :
الآن :﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ﴾ .( سورة طه الآية : 132 ) .
استنبط العلماء من هذه الآية أن البيت الذي فيه صلوات تؤدى ، وأن المحل
التجاري الذي يؤدي أفراده الصلوات الخمس ، والذي يقام فيه منهج الله ،
الصلاة والذكر أحد أسباب جلب الرزق .
﴿ وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ﴾ .
﴿ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى ﴾ .( سورة طه ) .
التقتير الإلهي تقتير تأديب لا تقتير عجزٍ :
أيها الإخوة ، لابد أن أوضح حقيقة خطيرة جداً : أن أيّ تقنين إلهي هو تقنين
تأديب لا تقنين عجز ، إن أي تقنين إلهي إنْ كان في الأمطار ، إن كان في
الأرزاق ، إن كان في المحاصيل ، إن كان في النبات أي تقنين إلهي هو تقنين
تأديب لا تقنين عجز ، لقول الله جل جلاله :
﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ .( سورة الحجر ) .
إذاً : أي تقنين تقنينُ تأديب لا تقنين عجز ، أما حينما يقنن الإنسان ففي
الأعم الأغلب يقنن تقنين عجز ، أما إلهنا جل جلاله إذا قنن تقنينه تقنين
تأديب .
الغنى والفقر بحكمة الله:
لكن أحياناً لحكمة بالغة ، لأن الله يعلم ما يكون ، وما سيكون ، وما لم يكن
لو كان كيف كان يكون ، وقد قيل : علم ما كان ، وعلم ما يكون ، وعلم ما
سيكون ، وعلم ما لم يكن لو كان كيف كان يكون ، لأن الله وحده يعلم ما الذي
سيكون لو كنت غنياً ، وما الذي سيكون إن كنت فقيراً ، فلذلك هناك حكمة
بالغةٌ من أن هذا الإنسان أراد الله له دخلاً محدوداً ، وهذا إنسان أراد له
دخلاً غير محدود ، لأن من عبادي من لا يصلح له إلا الغنى ، فإذا أفقرته
أفسدت عليه دينه ، وإن من عبادي من لا يصلح له إلا الفقر ، فإذا أغنيته
أفسدت عليه دينه .
إذاً : لأن الله يعلم ما سيكون فقد يختار لكل واحد منا رزقاً يعينه على أن يصل إلى دار السلام بسلام ، لذلك في بعض الأحاديث :
(( فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ )) .[ أخرجه البخاري ومسلم عن عليّ رضي اللّه عنه ] .
هو خُلق للجنة ، فإن كان الدخل المحدود يمكن أن يكون سبباً أقوى في بلوغ الجنة يجعل الله هذا الإنسان ذا دخل محدود .
هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا ...
أما إذا كان الدخل غير المحدود سبب للتفلت والانغماس بالملذات ، ثم المعاصي
والآثام يأتي هذا الحديث الذي أسميه قاصمة الظهر ، يقول عليه الصلاة
والسلام (
بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ سَبْعًا هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا
مُنْسِيًا ، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ، أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ، أَوْ هَرَمًا
مُفَنِّدًا ، أَوْ مَوْتًا مُجْهِزًا ، أَوْ الدَّجَّالَ ، فَشَرُّ
غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ السَّاعَةَ ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ ))
.[ أخرجه الترمذي والحاكم عن أبي هريرة ] .
عدّ النبي صلى الله عليه وسلم أحياناً من المصائب .
((هَلْ تَنْتَظِرُونَ إِلَّا فَقْرًا مُنْسِيًا ، أَوْ غِنًى مُطْغِيًا ،
أَوْ مَرَضًا مُفْسِدًا ، أَوْ هَرَمًا مُفَنِّدًا ، أَوْ مَوْتًا
مُجْهِزًا ، أَوْ الدَّجَّالَ ، فَشَرُّ غَائِبٍ يُنْتَظَرُ ، أَوْ
السَّاعَةَ ، فَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ )) . [ أخرجه الترمذي والحاكم
عن أبي هريرة ] .
إذاً : لأن الله علم ما كان ، وما سيكون ، وما لم يكن لو كان كيف يكون يختار لعبده نوعاً من الرزق ، فالمؤمن الصادق يرضى عن الله .
إن إنسانا كان يطوف حول الكعبة وهو يقول : " يا رب ، هل أنت راضٍ
عني ، ورآه الإمام الشافعي قال : يا هذا ، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى
عنك ؟ قال : سبحان الله ! من أنت ؟ قال : أنا محمد بن إدريس ، قال : كيف
أرضى عن الله وأنا أتمنى رضاه ؟ فقال له : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك
بالنعمة فقد رضيت عن الله " .
فالمؤمن الصادق يرضى عن الله ، ولو كان ذا دخل محدود .
عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (
عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ
ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ
فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ
خَيْرًا لَهُ )) .[ مسلم ]
إذاً : يجب أن تعلم علم اليقين أنك تدعو الله فيجب أن تستقيم ، وتؤمن ،
وتتقي ، لكن أحياناً هناك حكمة بالغةٌ بالغة من الدخل الذي قدره الله لك .
إخوتنا الكرام ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( قَدْ
أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا ، وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا
آتَاهُ )) .[ مسلم ]
لذلك : عَنْ سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مِحْصَنٍ الْخَطْمِيِّ
عَنْ أَبِيهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ (( مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي
جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ
الدُّنْيَا )) .[الترمذي]
سأل ملِكٌ وزيره : مَن الملك ؟ قال له : أنت ، قال : " لا ، الملك
رجل لا نعرفه ولا يعرفنا ، له بيت يؤويه ، وزوجة ترضيه ، ورزق يكفيه ، إنه
عن إن عرفنا جهد في استرضائنا ، وإن عرفناه جهدنا في إحراجه " .
لذلك قد يكون الكفاف وضعاً مثالياً للمؤمن ، الكفاف لا يعني أنك فقير ، ولا
يعني أنك مترف ، لذلك قالوا : خذ من الدنيا ما شئت ، وخذ بقدرها هَمًّا ،
ومن أخذ من الدنيا فوق ما يكفيه أخذ من حتفه وهو لا يشعر .
لذلك أسباب الرزق أحياناً صلة الرحم ، أسباب الرزق أداء الصلوات ، أسباب
الرزق الإيمان والاستقامة على أمر الله ، أسباب الرزق الإيمان والتقوى ،
أسباب الرزق الاستغفار ، هذه كلها أسباب للرزق ، لكن أريد أن آبين لكم
حقيقة :
لن تموت نفسٌ حتى تستكمل رزقها :
هناك منطقة مشهورة بالتفاح ، لو دخلنا إلى البستان الرابع من بداية هذه
المنطقة ، وتجولنا فيه ، ورأينا الشجرة الثامنة ، والغصن الثالث ، والتفاحة
العاشرة ، هذه التفاحة لك ، من وقت أن خلقها الله هي لك ، وهذا معنى الرزق
المقسوم ، أما وصولها إليك فباختيارك ، هذه التفاحة لك ، يمكن أن تصل إليك
هدية ، يمكن أن تصل إليك ضيافة ، يمكن أن تصل إليك صدقة ، يمكن أن تصل
إليك تسولاً ، يمكن أن تصل إليك سرقة ، يمكن أن تصل إليك شراءً ، الشراء
طريقة ، والسرقة طريقة ، والتسول طريقة ، والصدقة طريقة ، لذلك هي لك ،
ولكن طريقة وصولها إليك باختيارك ، من هنا ورد في الحديث الشريف (
إن روح القدس نفث في روعي أن نفسا لن تموت حتى تستكمل أجلها وتستوعب رزقها
، فاتقوا الله ، وأجملوا في الطلب ، واستجملوا مهنكم )) .[ أخرجه أبو نعيم
في الحلية عن أبي أمامة ] .
اختر حرفة شريفة ، لأن الرزق هو هو ، وما عند الله ما ينال بمعصية الله .
(( من حاول أمرا بمعصية الله كان أبعد له مما رجا ، وأقرب مما يتقي )) .[ رواه أبو نعيم عن أنس رضي الله عنه ] .
فلذلك أيها الإخوة ، هذه مبادئ متعلقة الرزق ، الاستقامة ، العمل الصالح
الإيمان ، التقوى ، الاستغفار ، صلة الرحم ، إقامة الصلوات ، هذه أسباب
الرزق ، والرزق مقسوم بمعنى أن الله سبحانه وتعالى يسوق لك الرزق المناسب ،
فليس في الإمكان أبدع مما كان ، والقاعدة اللطيفة في حكم ابن عطاء الله
السكندري : " ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، وإذا كشف لك
الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء " ، والمؤمن راضٍ عن الله
يقول : يا رب ، احفظني وارزقني ، ارزقني طيباً واستعملني صالحاً .
والحمد لله رب العامين