يختلف دور المعلم عن أدوار أصحاب المهن الأخرى، فهو يقوم بتواصل يستمر لفترة زمنية ليست بالقصيرة مع أفراد المجتمع المدرسي، ولكل من هؤلاء الأفراد ( الطلاب ) جذور وروافد




في المجتمع المحيط بالمدرسة، مما يضطر المعلم في كثير من الأحيان للتعامل مع والد الطالب أو جده أو عمه أو خاله أو أخيه، وينظر المجتمع إلى المعلم خلال هذه التعاملات نظرة فاحصة مدققة تبحث عن جوانب الصلاح والقدوة فيه، وتقيس بمقياس حساس ما يخرج عنه من سلوك وما يقوم به من تصرفات.


وبينما تنتهي العلاقة بين الشخص والطبيب أو المهندس أو الشرطي بمجرد انتهاء المعاملة الطارئة الدائرة بينهما، فإن العلاقة بين المعلم وأسرة طلابه قد تستمر أعواماً طويلة، ولعلنا نذكر كثيراً من معلمينا، ونشيد بهم، ونتزاور معهم من حين إلى آخر مما يجعلنا ننظر إلى علاقة المعلم بالمجتمع المحلي وبأولياء الأمور نظرة خاصة، ولذا سنتناول في هذا الفصل إلقاء بعض الضوء على هذه العلاقة.


يفرض توزيع المهام التدريسية على المعلمين طلاباً بعينهم، فالطالب لا حيلة له في اختيار المعلم الذي سيقوم بالتدريس له، كما أن ولي الأمر لا حيلة له في التعامل مع معلم معين وعلى ذلك فإن أفراد المجتمع لا يختارون معلماً بعينه لتعاملا معه، بل أنهم لا يملكون فرصة تحقيق هذا الاختيار، في حين أن بوسعهم اختيار الطبيب الذين يثقون به ليعالجهم أو المكتب الهندسي الذي يصمم أو ينفذ لهم بناء منازلهم ، ويعني ذلك أن جميع المعلمين يعدون موضع ثقة من قبل المجتمع، ويجدون الاحترام والدعم من قبل أولياء الأمور.


ولعل ما سبق يؤكد أن الدور الاجتماعي للمعلم دور بالغ التأثير، فهو فرد مؤثر في المجتمع المحلي، يقتدي به طلاب الحي، ويقلدون سلوكه، ومن هنا يدرك المعلم أن عمله لمهني يخرج عن نطاق أسوار المدرسة ليمتد عبر أرجاء البيئة المحيطة أينما وجد ، وأينما تعرف عليه طلابه ، أو أولياء أمورهم في الشارع أو المسجد أو السوق أو النادي.


فإذا كان المعلم يمثل قيادة فكرية لطلابه، فأن ذلك ينطلق من طبيعة تأهيله المهني في مؤسسة إعداده، إذ أن تدريبه وإعداده، وممارسته لعمله في المدرسة يجعل منه شخصياً قادراً على التنظيم والمناقشة والإقناع، ونيل ثقة الآخرين، مما يجعله أقدر من غيره على لم شمل الطلاب وأولياء الأمور في المجتمع المحلي لمناقشة قضايا معينة، أو لاجتماع لحل مشكلات تشعر بها الجماعة، أو حفز الناس على الإسهام في مشروعات خدمة البيئة، أو تقديم العون المادي أو المعنوي لمن يحتاجون إليه.


ويفرض هذا الدور على المعلم أن يكون محط أنظار الآخرين بصفة دائمة، مما يتطلب منه الحرص على التحلي بحسن المظهر سواء في اللبس أو السلوك العام، كما يفرض عليه اختيار مرافقيه وأصدقائه، وأماكن تمضية وقت فراغه بشكل دقيق يحافظ على مكانته التي يتبوأها بين أفراد مجتمعه.


ولعلنا نخلص مما سبق إلى أن المدرسة حلقة في سلسلة تبدأ في المنزل وتمر بالمدرسة وتنتهي بالمجتمع، وطالما ظلت هذه الأطراف مشتركة في الحلقة، فإن المعلم مكونه شخصياً مؤهلاً للريادة الاجتماعية وقيادة فكر المجتمع يقع عليه عبء القيام بدور لقدوة في العبادات والسلوك والفكر، إذ لا سبيل أمامه سوى أن يكون عند حسن ظن المجتمع به، أو فليعتزل مهنة التعليم برمتها.


والمعلم عندما يقوم بهذا الدور ، فإنما لا يخدم المجتمع المحلي والمدرسة فحسب ، إنما يخدم نفسه أيضاً، فهو يحظى بالمكانة الاجتماعية والاحترام من جميع فئات المجتمع، كما أنه يحظى قبل ذلك وبعده برضى من الله سبحانه وتعالى عن عمله في قيادة الجماعة نحو طريق الرشاد.


إن قيام المعلم بأدواره الاجتماعية في المجتمع، وتوليه مهام القيادة الفكرية لهذا المجتمع لا ينبغي أن يكون طمعاً في جاه أو نفوذ أو كسب مادي غير شريف، إذ عليه أن ينظر إلى هذه المهام على أنها جانب مكمل لعمله المدرسي، فلكل مهنة أعباؤها الجانبية التي يتحملها صاحب المهنة طائعاً مختاراً.


كما ينبغي ألا يكون لقيام المعلم بأدواره الاجتماعية في المجتمع المحلي تأثير في مهامه التدريسية في أثناء اليوم الدراسي، فيعتذر عن التدريس بسبب ما يسند إليه من مهام لخدمة البيئة، فالعمل داخل المدرسة أو داخل غرفة الصف أو خارجها هي صلب العمل المهني للمعلم، وهو الأساس الذي من خلاله يلتقي بالطلاب قبل أن يتصدى بذويهم في المجتمع المحلي.


لسنا في حاجة إلى التأكيد على أهمية العلاقة بين المدرسة والمنزل، سواء فيما يتعلق بدور كل منهما في النمو الدراسي والاجتماعي والأخلاقي للطلاب، أو بدورها في تطوير المدرسة أو تطويرها في تنمية المجتمع المحلي.


ونستطيع أن نقول إن جوهر هذه العلاقة بالدرجة الأولى هو العلاقة بين المعلم كونه ممثلاً أساسياً للمدرسة وبين ولي الأمر كونه ممثلاً للأسرة، وكل منهما يعد من العناصر الأساسية لنجاح العملية التربوية، ومن ثم فإن توطيد العلاقة بينهما يعد أمراً مهماً ينبغي أن يسعى إليه كل منهما.


وتستفيد العملية التعليمية من توطيد العلاقة بين المعلم وولي الأمر في الجوانب التالية:


1. تبادل الرأي والمشورة بشأن نمو الطالب ومستوى تحصيله، ومدى تقدمه والصعوبات التي تعترض طريقه، وكيفية التغلب عليها. ويتم ذلك من خلال دعوة ولي الأمر لزيارة المدرسة، وقد يقوم بزيارة الصف وملاحظة الطالب، وما يقوم به من مناشط مختلفة، كما قد يتم من خلال اجتماع خاص يعقد بصفة دورية بين أولياء الأمور والمعلمين في المدرسة لمناقشة الأمور التعليمية ومستوى التحصيل والمشكلات التي تواجه الطلاب.


وقد يقتصر التفاهم بين المعلم وولي الأمر على الاتصال الهاتفي، خاصة في الحالات العاجلة التي يرى فيها المعلم ضرورة التفاهم مع المنزل حول قضية ملحة تتصل بالطالب.


2. إسهام أولياء الأمور في تدعيم برامج النشاط المدرسي التي تحتاج إلى بعض الخامات أو الإمكانات المادية الأخرى والتي يسهل توفيرها من قبل ولي الأمر بحكم طبيعة عمله ، فقد يسهم ولي الأمر الذي يعمل مقاولاً في إعداد وتمهيد فناء المدرسة لممارسة الأنشطة الرياضية أو قد يسهم ولي الأمر الذي يعمل نجاراً في تقديم بعض لوحات الإعلان الخشبية لتعليق الصحف الحائطية عليها ... إلخ .


وينبغي في كل الأحوال أن يهتم المعلم بحسن استقبال أولياء الأمور، ويتخذ مع إدارة المدرسة خطوات إيجابية في هذا الصدد، ويتقبل بصدر رحب اعتذارهم عن الحضور رغم تعدد مرات دعوتهم، إذ إن مصلحة الطلاب والعملية التعليمية تتطلب أولياء الأمور لدعوة المدرسة لزيارتها، إذ من المفيد التجاوز عن أي خطأ في حق المدرسة طالما كان ذلك في مصلحة الأبناء.


وينبغي التذكير بأمر آخر قد يوثق كثيراً العلاقة بين المعلم وولي الأمر، وهو مبادرة لمعلم إلى زيارة ولي الأمر، فمثل هذه المبادرة تظهر لولي الأمر اهتمام المعلم بالطالب، تترك لدى ولي الأمر أثراً طيباً ملموساً.


وقد يسعى المعلم إلى التنسيق مع إدارة المدرسة من أجل تكوين بعض المجالس الاستشارية، ويضم بعض أولياء الأمور، مما يجعلهم يندمجون في مشكلات المدرسة، ويسهمون في إبداء الرأي من أجل حل مشكلات تعلم أبنائهم بطريقة إيجابية بناءة.


وعلى المعلم أن يعي أن إقامة علاقة مع ولي أمر الطالب تتطلب جواً من التعاون والتفاهم والثقة حتى تحقق هذه العلاقة أهدافها.